|
|
Prises
de position - |
الجزائر:
من الثورة الاستعمارية إلى الثورة البروليتارية
الفاتح من نوفمبر 1954: بداية الثورة الجزائرية
بمناسبة الذكرى العشرين لانتفاضة الفاتح من نوفمبر 1954 في الجزائر، وإجلالًا للمتمرّدين، كتبنا ما يلي في أعمدة « البروليتاري »:
« قلّما شهدت ثوراتٌ مناهضةٌ للاستعمار تقدّمَ الجماهير الشعبية--وفي طليعتها بروليتاريا فتية تغلي شجاعةً وحزمًا--خطواتِها الأولى على مسرح التاريخ بمثل هذه المثابرة والبطولة والغريزة الثورية: فعندما أضعفت الحرب العالمية الثانية ذلك الإمبرياليةَ الفرنسيةَ، القاسيةَ والوقحةَ، المنتفخةَ بغباء بثقافةٍ دنيئة تتغذّى جذورها من الاستغلال والاضطهاد العتيقين لبروليتاريا المتروبول وللشعوب المستعمَرة، اندفعت الجماهير الجزائرية إلى اضطرابات سطيف وقسنطينة وانتفاضاتهما، فقابلتهما "الديمقراطية"--التي لم تكن قد خرجت لتوّها منتصرةً على الفاشية--بأفظع المجازر. وإزاء الهزيمة العسكرية التي أوقعها المقاتلون الهندوصينيون بالدولة الفرنسية في ديان بيان فو، ردّت تلك الجماهير بالثورة في الأوراس، وباشتعالٍ ثوري عمَّ الجزائر كلّها. ثم لم يكن بدّ، بعد ذلك، من ثماني سنوات من الحرب وأكثر من مليون قتيل، كي يُهزم أخيرًا ذلك العدوّ المكروه الذي كان بالأمس القريب يبدو كلّي القدرة » (1).
لقد توقّع الماركسيةُ الثورةَ المناهضةَ للاستعمار في الجزائر منذ أواخر القرن التاسع عشر. ففي سنة 1882، كتب إنجلز، جوابًا على سؤالٍ لكاوتسكي عمّا سيؤول إليه أمرُ المستعمرات إذا انتصر البروليتاريا في أوروبا: « إن الهند قد تقوم--وربما على الأرجح--بثورة […]. وقد يكون الأمر كذلك في أماكن أخرى، مثل الجزائر ومصر، وهذا--بالنسبة إلينا [تسطير إنجلز] --لعلّه أفضل ما يمكن أن يحدث » (2). غير أنّ نموَّ الإصلاحية داخل الأحزاب الاشتراكية الأوروبية تُرجم لاحقًا إلى تخلٍّ متزايد عن معارضة الاستعمار. فبينما كانت الأممية الثانية قد تبنّت في سنة 1896 لائحةً قدّمها كاوتسكي بشأن « حق تقرير المصير لجميع الأمم » (3)، فإن التيار المسمّى « الانتهازي » قاد، في مؤتمر 1907، حملةً لـ« تكييف » المواقف المناهضة للاستعمار: ولم تُرفض لائحته الداعية إلى « استعمار اشتراكي » إلا بأغلبية ضئيلة. وإذا كانت أغلبية الاشتراكيين في الأممية الثانية معارضةً للاستعمار، فإن هذه المعارضة كانت غالبًا ذات طابع إنساني، ممزوجةً بما اعتُبر « مصلحةً وطنيةً مفهومة » كان الاستعمار سيُعرّضها للخطر.
كان هذا حالُ جوْرِيس في فرنسا: فبعد أن كان مؤيّدًا لاستعمار الجزائر، صار ناقدًا شديدًا للمجازر الاستعمارية، وعارض احتلال المغرب. لكن حملته آنذاك انحصرت في اجتماعاتٍ عمومية للحزب الاشتراكي وفي تدخلاتٍ برلمانية، وهو يدافع عن بديل « التغلغل السلمي » لفرنسا (4) …
وكان موقفُ الأممية الشيوعية (IC)، التي تأسّست بعد الحرب العالمية التي شهدت إفلاسَ الأممية الثانية وسقوطَها الكامل في قبضة الانتهازية، مختلفًا تمامًا. فمن بين شروط الانضمام إلى الأممية الشيوعية، نصّ الشرط الثامن على ما يلي: « في مسألة المستعمرات والأمم المضطهدة، يجب على أحزاب البلدان التي تمتلك برجوازيتها مستعمرات أو تضطهد أممًا، أن تتّبع خطًّا سياسيًا بالغ الوضوح والحسم. وعلى كل حزب ينتمي إلى الأممية الثالثة واجبُ أن يفضح بلا هوادة "مآثر" إمبريالييه في المستعمرات، وأن يدعم--لا بالكلام بل بالفعل--كل حركة تحرّر في المستعمرات، وأن يطالب بطرد المستعمرات من تحت إمبرياليي المتروبول، وأن يغذّي في قلب عمّال البلد مشاعرَ أخوّةٍ حقيقية تجاه السكان الكادحين في المستعمرات والأمم المضطهدة، وأن يُبقي داخل قوات المتروبول دعايةً دائمة ضد كل اضطهادٍ للشعوب المستعمَرة ».
لكنّ التقاليدَ والتأثيرات الموروثة عن الأحزاب الاشتراكية القديمة التي خرجت منها الأحزابُ الشيوعية الفتية كانت لا تزال حيّةً فيها. ولذلك كان من الحتمي في فرنسا أن يواجه الحزب الشيوعي--الذي جمع الغالبية الساحقة من الحزب الاشتراكي المشبّع بالوطنية الاستعمارية--صعوبةً كبرى في تطبيق هذا الشرط. ففي سبتمبر/أيلول 1922 صوّت « المؤتمر الشيوعي بين-الفيـدرالي لشمال أفريقيا » بالإجماع على قرارٍ يُدين الشرطَ الثامن. ووفقًا لهذا القرار--الذي أعاد طرح أطروحاتِ فرع سيدي بلعباس (أهم فروع الجزائر)--فإن: « الدعاية الشيوعية المباشرة لدى الأهالي الجزائريين في الأرياف غيرُ مجدية وخطيرة في الوقت الراهن. وهي غير مجدية لأن هؤلاء الأهالي لم يبلغوا بعدُ مستوىً فكريًا وأخلاقيًا يتيح لهم النفاذ إلى التصورات الشيوعية. وهي خطيرة لأنها ستُطلق--لا محالة--من قبل البرجوازية […] هجومًا مضمونَ النجاح، نجاحًا يزداد يقينًا لأن الكتلةَ الأهلية، الخانعةَ والمرتزِقة، لن تتردّد في الوشاية والتضحية بخيرة عناصرها. وهي خطيرة لأنها، إذا تمّت دون إعدادٍ مسبق لبروليتاريا أوروبية مشبعة بالأحكام المسبقة ضد الأهلي، فسوف تُفقدنا تعاطفَ تلك البروليتاريا وتُحدث نزيفًا في صفوف تجمعاتنا! »
فندّدت الأممية الشيوعية بعنف بـ « عقلية مالكي العبيد الذين يتمنّون أن يُبقيهم بوانكاريه تحت "بركات" الحضارة الرأسمالية »، لدى أصحاب هذا القرار، وأضافت أنها لا يمكن أن « تتسامح ساعتين ولا دقيقتين مع وجودهم في الحزب » (5).
وكان لا بدّ أن تمارس الأممية الشيوعية ضغوطًا متكرّرة كي يقطع الحزبُ الشيوعي مع التقاليد الاشتراكية-الإمبريالية الموروثة من الحزب الاشتراكي، ويشرع في نشاطٍ أمميٍّ مناهض للاستعمار الفرنسي.
انتصار الستالينية وعودة الاشتراكية-الإمبريالية
إن انتصار الستالينية غيّر كل ذلك، وجعل من الدفاع عن الإمبريالية ذات الألوان الثلاثة (الفرنسية) الخطَّ الموجِّه للحزب الشيوعي الفرنسي (PCF). وعلى المسألة الجزائرية تُرجم هذا أولًا بالقطيعة، منذ 1928، مع « نجم شمال أفريقي »ENA) )، وهي أول منظمة لبروليتاريا المهاجرين، كانت قد تأسست سنة 1926 على يد مناضلين شيوعيين جزائريين.
أثار الانتصار الانتخابي للجبهة الشعبية سنة 1936 الأملَ لدى العمال الجزائريين؛ فقد انضوت « نجم شمال أفريقيا » ضمن الجبهة الشعبية، وجمعت موكبًا من عدة آلاف من البروليتاريين في التظاهرة الوحدوية يوم 14 يوليو/تموز 1935، مع نقدها لفراغ البرنامج بشأن قضية المستعمرات. لكن خيبة الأمل لم تتأخر. فقد كشف مشروع قانون بلوم--فيوليت (ديسمبر/كانون الأول 1936) حقيقة سياسة الجبهة الشعبية: إصلاحاتٌ تجميلية لتدعيم الهيمنة الفرنسية. فالحكومة التي كانت تنوي منح الحقوق المدنية لـ 20--25 ألف جزائري (من أصل ستة ملايين)، سحبت مشروعها تحت ضغط الأوساط الاستعمارية، التي فزعتها تلك « التنازلات المرعبة »! وفي 26 يناير/كانون الثاني 1937 حُلّت « نجم شمال أفريقيا » بقرار من حكومة الجبهة الشعبية، مستخدمةً لذلك قانونًا سُنّ رسميًا ضد الرابطات الفاشية. وبينما كان الحزب الشيوعي الفرنسي قد احتجّ بشدة على حلّ « النجم » الأول في أكتوبر/تشرين الأول 1934 من طرف حكومة يمينية، فإنه هذه المرة لم يقل كلمة، بل وافق على اعتقال خمسة من قادة « حزب الشعب الجزائري »--الذي خلف « النجم »--أواخر أغسطس/آب، متّهمًا إياهم بأنهم « أعوان للفاشية » مذنبون بتنفيذ «عمل تقسيم للشعب الجزائري، كانوا يريدون أن يوجهوه ضد شعب فرنسا ». وشرح ديلوش، المسؤول في الحزب الشيوعي الفرنسي عن القضايا الاستعمارية، بأن: «أولئك الذين لم يفهموا شيئًا أو لم يريدوا أن يفهموا شيئًا من الوضع السياسي في فرنسا وفي العالم، ويريدون أن يروا اليوم ذاته الشعوبَ المستعمَرة تنهض في صراعٍ عنيف ضد الديمقراطية الفرنسية بحجة الاستقلال، إنما يعملون في الواقع لانتصار الفاشية ولتعزيز استعباد الشعوب المستعمَرة » (6). وهكذا اكتملت الدائرة: لقد اصطفّ الحزب الشيوعي الفرنسي نهائيًا إلى جانب الإمبريالية، كما كان حالُ فرعه القديم في سيدي بلعباس!
ولم يتغير بعد ذلك في السنوات التالية، مشاركًا في الدفاع عن الاستعمار الفرنسي: مباشرةً حين دخل حكومات ما بعد الحرب؛ وبشكل غير مباشر حين كان في المعارضة، من خلال شلّ الطبقة العاملة، وتقسيم البروليتاريين الفرنسيين والجزائريين، ومعارضة التظاهرات العفوية ضد حرب الجزائر.
اضطر البروليتاريون والفلاحون الفقراء الجزائريون إلى القتال وحدهم ضد الجيش الفرنسي، دون دعم البروليتاريا الفرنسية الذي كان من حقهم أن يتلقوه. فالحزبُ الذي ادّعى الشيوعية، وكانت له الغلبة التأثيرية داخل البروليتاريا الفرنسية، قد نكث كل توجيهات الأممية الشيوعية التي كانت تأمره قبل نحو ثلاثين سنة بأن « يتولى بيديه قضية السكان المستعمَرين المستغَلّين والمضطهَدين من قبل الإمبريالية الفرنسية، وأن يدعم مطالبهم الوطنية التي تمثل مراحل نحو تحريرهم من نير الرأسمال الأجنبي، وأن يدافع بلا تحفظ عن حقهم في الحكم الذاتي أو الاستقلال […] » (7).
وبمنعه أي رابطة بين بروليتاريي المراكز الإمبريالية ونضال البروليتاريين والجماهير المُستعمَرة، كانت الثورة المضادة الستالينية تدفع هؤلاء إلى أحضان قوى برجوازية أو برجوازية صغيرة. وكانت تمنع أن يتجاوز نضالُهم أفقَ الثورة البرجوازية، وفق استراتيجية «الثورة الدائمة» التي رسمها الماركسية لألمانيا سنة 1850، وتحققت في روسيا سنة 1917، والتي شرطها استقلالُ البروليتاريا الطبقي وحزبها.
ديكتاتورية البرجوازية
لقد حطّمت الثورة الجزائرية الهيمنةَ الاستعمارية، لكنها لم تكن تستطيع أن تحطّم الهيمنةَ البرجوازية. لقد أتاحت تطورَ رأسمالية وطنية، تدافع عنها كلُّ الموارد القمعية لدولةٍ بوليسية. وقد برهنت التجربةُ الحديثة أن القمع لا يستطيع على المدى الطويل أن يمنع انفجارَ السخط واندلاعاتِ الغضب البروليتاري. كما أظهرت أن حركات الجماهير الأكثر ضخامةً تبقى في النهاية عاجزةً عن تغيير وضع البروليتاريين والجماهير المُبرولتَرة. فالدولة تنحني مؤقتًا، وتتجنب صبَّ الزيت على النار؛ وتنتظر وهنَ الحركة الحتمي لتفرض من جديد، بكل قوتها، ديكتاتوريةَ البرجوازية. لا بديل: وحدها المعركةُ الثورية، بقيادة حزبِ الطبقة الراسخِ الارتباط بالبرنامج الشيوعي الحقيقي، قادرةٌ على إسقاط هذه الديكتاتورية، بتدمير الدولة البرجوازية وإقامة السلطة الشمولية، الديكتاتورية، للبروليتاريا على أنقاضها--وهي سلطة لا غنى عنها لإنجاز بزوغ المجتمع اللاطبقي: الشيوعية.
لقد وقعت الثورةُ الوطنيةُ البرجوازية وأعطت ما تستطيع أن تعطيه. أما الثورةُ القادمة فستكون أمميةً وبروليتارية؛ ستوحّد بروليتاريي جميع البلدان في نضالٍ مشترك لاجتثاث كل الدول البرجوازية والرأسمالية والإمبريالية عن وجه الأرض، وللثأر لضحاياها الذين لا يُحصَون.
(1) راجع « البروليتاري » عدد 184 (4 نوفمبر/تشرين الثاني -- 17 نوفمبر/تشرين الثاني 1974).
(2) راجع: https://www.marxists.org/francais/engels/works/1882/09/fe18820912.htm. وكان يضيف: «شيء واحد مؤكّد: إن البروليتاريا المنتصرة لا تستطيع أن تفرض بالقوة سعادةَ أي شعبٍ أجنبي، لأن ذلك يقوّض انتصارها هي». إن كل فكرة عن فرض « الاشتراكية » على المستعمرات، كما سيدافع عنها اشتراكيّو اليمين، لم تكن في الحقيقة إلا تعبيرًا عن استعمارهم.
(3) راجع : .« Under the Socialist Banner. Resolutions of the IInd International 1889--1912» https://ia601604.us.archive.org/18/items/526370/Under%20the%20socialist%20banner.pdf
(4) انظر خطبه في : « Jean Jaurès vers l'anticolonialisme. Du colonialisme à l'universalisme» ، دار Les Petits Matins، باريس 2015.
(5) كان بوانكاريه رئيسًا لمجلس الوزراء (رئيس الحكومة). انظر خطاب تروتسكي، المقرر بشأن «المسألة الفرنسية» في المؤتمر الرابع للأممية الشيوعية، 2 ديسمبر/كانون الأول 1922، راجع Bulletin Communiste عدد 2--3 (11--18 يناير/كانون الثاني 1923): http://www.cermtri.com/system/files/Adherents/4e_annee_no2_et_3_11-18_janvier_1923.pdf
(6) راجع : « Le Parti Communiste Français, le Comintern et l'Algérie dans les années trente » ، مجلة Le Mouvement Social عدد 78 (يناير--مارس 1972)، ص. 131.
(7) راجع : « Programme de travail et d'action du PCF » (النقطة 9) الذي أقرّه المؤتمر الرابع للأممية الشيوعية، 6 ديسمبر/كانون الأول 1922: https://www.marxists.org/francais/trotsky/oeuvres/1922/12/lt19221205.htm
( Algérie : De la révolution anticoloniale à la révolution prolétarienne ; «le prolétaire»; N° 559; Novembre-Décembre 2025 )
الحزب الشيوعي الأممي
Il comunista - le prolétaire - el proletario - proletarian - programme communiste - el programa comunista - Communist Program
www.pcint.org